سورة الرحمن - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


قوله: {يسأله} يحتمل أن يكون في موضع الحال من الوجه، والعامل فيه {يبقى} [الرحمن: 27] أي هو دائم في هذه الحال، ويحتمل أن يكون فعلاً مستأنفاً إخراباً مجرداً. والمعنى أن كل مخلوق من الأشياء فهو في قوامه وتماسكه ورزقه إن كان مما يرزق بحال حاجة إلى الله تعالى، فمن كان يسأل بنطق فالأمر فيه بين، ومن كان من غير ذلك فحاله تقتضي السؤال، فأسند فعل السؤال إليه.
وقوله: {كل يوم هو في شأن} أي يظهر شأن من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماتة ورفعة وخفض، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو تعالى. والشأن: اسم جنس للأمور. قال الحسين بن الفضل: معنى الآية، سوق المقادير إلى المواقيت. وورد في بعض الأحاديث، «إن الله تعالى له كل يوم في اللوح المحفوظ ثلاثمائة وستون نظرة، يعز فيها ويذل، ويحيي ويميت، ويغني ويعدم إلى غير ذلك من الأشياء، لا إله إلا هو». وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقيل له ما هذا الشأن يا رسول الله؟ قال: يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع ويضع.
وذكر النقاش أن سبب هذه الآية قول اليهود: إن الله استراح يوم السبت، فلا ينفذ فيه شيئاً.
وقوله تعالى: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} عبارة عن إتيان الوقت الذي قدر فيه وقضى أن ينظر في أمور عباده وذلك يوم القيامة، وليس المعنى: أن ثم شغلاً يتفرغ منه، وإنما هي إشارة وعيد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأزب العقبة لأفرغن لك يا خبيث» والتفرغ من كل آدمي حقيقة.
وفي قوله تعالى: {سنفرغ لكم} جرى على استعمال العرب، ويحتمل أن يكون التوعد بعذاب في الدنيا والأول أبين.
وقرأ نافع واين كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: {سنفرُغ} بضم الراء وبالنون. وقرأ الأعرج وقتادة: ذلك بفتح الراء والنون، ورويت عن عاصم، ويقال فرغ بفتح الراء وفرغ بكسرها. ويصح منهما جميعاً أن يقال يفرغ بفتح الراء وقرأ عيسى بفتح النون وكسر الراء. وقال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: بالياء المفتوحة، قرأ حمزة والكسائي: بضم الراء. وقرأ أبو عمرو: بفتحها. وقرأ الأعمش بخلاف، وأبو حيوة: {سيُفرَغ} بضم الياء وفتح الراء وبناء الفعل للمفعول. وقرأ عيسى بن عمر أيضاً: {سنَفرِغ}، بفتح النون وكسر الراء. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {سنفرغ لكم أيها}.
و {الثقلان} الإنس والجن، ويقال لكل ما يعظم أمره ثقل، ومنه:
{أخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: 2]. وقال النبي عليه السلام: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي». ويقال لبيض النعام ثقل. وقال لبيد: [الكامل]
فتذكرا ثقلاً رئيداً بعدما *** ألقت ذكاء يمينها في كافر
وقال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه: سمي الإنس والجن ثقلين، لأنهما ثقلا بالذنوب وهذا بارع ينظر إلى خلقهما من طين ونار.
وقرأ ابن عامر: {أيُّهُ الثقلان} بضم الهاء.
واختلف الناس في معنى قوله: {إن استطعتم أن تنفذوا} الآية، فقال الطبري، قال قوم: في الكلام محذوف وتقديره: يقال لكم {يا معشر الجن والإنس}، قالوا وهذه حكاية عن حال يوم القيامة في {يوم التنادّ} [غافر: 32] على قراءة من شدد الدال. قال الضحاك: وذلك أنه يفر الناس في أقطار الأرض، والجن كذلك، لما يرون من هول يوم القيامة، فيجدون سبعة صفوف من الملائكة قد أحاطت بالأرض، فيرجعون من حيث جاؤوا، فحينئذ يقال لهم: {يا معشر الجن والإنس}. وقال بعض المفسرين: بل هي مخاطبة في الدنيا. والمعنى: {إن استطعتم} الفرار من الموت ب {أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض}. وقال ابن عباس المعنى: إن استطعتم بأذهانكم وفكركم أن تنفذوا فتعلموا علم أقطار السماوات والأرض. والأقطار: الجهات.
وقوله: {فانفذوا} صيغة الأمر ومعناه التعجيز، والسلطان هنا القوة على غرض الإنسان، ولا يستعمل إلا في الأعظم من الأمر والحجج أبداً من القوي في الأمور، ولذلك يعبر كثير من المفسرين عن السلطان بأنه الحجة. وقال قتادة: السلطان هنا الملك، وليس لهم ملك، والشواظ: لهب النار. قاله ابن عباس وغيره. وقال أبو عمرو بن العلاء: لا يكون الشواظ إلا من النار وشيء معها، وكذلك النار كلها لا تحس إلا وشيء معها. وقال مجاهد: الشواظ، هو اللهب الأخضر المتقطع، ويؤيد هذا القول. قول حسان بن ثابت يهجو أمية بن أبي الصلت:
هجوتك فاختضعت حليفا ذل *** بقاقية تؤجج كالشواظ
وقال الضحاك: هو الدخان الذي يخرج من اللهب وليس بدخان الحطب.
وقرأ الجمهور: {شُواظ} بضم الشين. وقرأ ابن كثير وحده وشبل وعيسى: {شِواظ} بكسر الشين وهما لغتان.
وقال ابن عباس وابن جبير: النحاس الدخان، ومنه قول الأعشى: [المتقارب]
تضيء كضوء سراج السليط *** لم يجعل الله فيه نحاسا
السليط دهن السراج. في النسخ التي بأيدينا دهن الشيرج.
وقرأ جمهور القراء: {ونحاسٌ} بالرفع عطفاً على {شواظ}، فمن قال إن النحاس: هو المعروف، وهو قول مجاهد وابن عباس أيضاً قال يرسل عليهما نحاس: أي يذاب ويرسل عليهما. ومن قال هو الدخان، قال ويعذبون بدخان يرسل عليهما. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والنخعي وابن أبي إسحاق: {ونحاسٍ} بالخفض عطفاً على {نار}، وهذا مستقيم على ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء. ومن رأى الشواظ يختص بالنار قدر هنا: وشيء من نحاس. وحكى أبو حاتم عن مجاهد أنه قرأ: {ونِحاسٍ} بكسر النون والجر. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قرأ: {ونَحُسّ} بفتح النون وضم الحاء والسين المشددة، كأنه يقول: ونقتل بالعذاب. وعن أبي جندب أنه قرأ: {ونحس}، كما تقول: يوم نحس، وحكى أبو عمرو مثل قراءة مجاهد عن طلحة بن مصرف، وذلك لغة في نحاس، وقيل هو جمع نحس.
ومعنى الآية: مستمر في تعجيز الجن والإنس، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا ينتصر.


جواب إذا محذوف مقصود به الإبهام، كأنه يقول: {فإذا انشقت السماء} فما أعظم الهول، وانشقاق السماء انفطارها عند القيامة. وقال قتادة: السماء اليوم خضراء وهي يوم القيامة حمراء، فمعنى قوله: {وردة} أي محمرة كالوردة وهي النوار المعروف. وهذا قول الزجاج والرماني. وقال ابن عباس وأبو صالح والضحاك: هي من لون الفرس الورد، فأنث لكون {السماء} مؤنثة.
واختلف الناس في قوله: {كالدهان} فقال مجاهد والضحاك: هو جمع دهن، قالوا وذلك أن السماء يعتريها يوم القيامة ذوب وتميع من شدة الهول. وقال بعضهم: شبه لمعانها بلمعان الدهن. وقال جماعة من المتأولين الدهان: الجلد الأحمر، وبه شبهها، وأنشد منذر بن سعيد: [الطويل]
يبعن الدهان الحمر كل عشية *** بموسم بدر أو بسوق عكاظ
وقوله تعالى: {لا يسأل عن ذنبه} نفي للسؤال. وفي القرآن آيات تقتضي أن في القيامة سؤالاً، وآيات تقتضي نفيه كهذه وغيرها، فقال بعض الناس ذلك في مواطن دون مواطن، وهو قول قتادة وعكرمة وقال ابن عباس وهو الأظهر في ذلك أن السؤال متى أثبت فهو بمعنى التوبيخ والتقرير، ومتى نفي فهو بمعنى الاستخبار المحض والاستعلام، لأن الله تعالى عليم بكل شيء. وقال الحسن ومجاهد: لا يسأل الملائكة عنهم، لأنهم يعرفونهم بالسيما، والسيما التي يعرف بها {المجرمون} هي سواد الوجوه وزرق العيون في الكفرة، قاله الحسن. ويحتمل أن يكون غير هذا من التشويهات.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: {فيؤخذ بالنواصي والأقدام}. فقال ابن عباس: يؤخذ كل كافر بناصيته وقدميه فيطوى يجمع كالحطب ويلقى كذلك في النار. وقال النقاش: روي أن هذا الطي على ناحية الصلب قعساً وقاله الضحاك. وقال آخرون: بل على ناحية الوجه، قالوا فهذا معنى: {فيؤخذ بالنواصي والأقدام}. وقال قوم في كتاب الثعلبي: إنما يسحب الكفرة سحباً، فبعضهم يجر بقدميه، وبعضهم بناصيته، فأخبر في هذه الآية أن الأخذ يكون {بالنواصي} ويكون ب {الأقدام}.
وقوله: {هذه جهنم} قبله محذوف تقديره: يقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ وفي مصحف ابن مسعود: «هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان».
وقرأ جمهور الناس: {يَطُوفون} بفتح الياء وضم الطاء وسكون الواو. وقرأ طلحة بن مصرف: {يُطَوّفون} بضم الياء وفتح الطاء وشد الواو. وقرأ أبو عبد الرحمن: {يطافون}، وهي قراءة علي بن أبي طالب. والمعنى في هذا كله أنهم يترددون بين نار جهنم وجمرها {وبين حميم} وهو ما غلي في جهنم من مائع عذابها. والحميم: الماء السخن. وقال قتادة: إن العذاب الذي هو الحميم يغلي منذ خلق الله جهنم. وأنى الشيء: حضر، وأنى اللحم أو ما يطبخ أو يغلى: نضج وتناهى حره والمراد منه. ويحتمل قوله: {آن} أن يكون من هذا ومن هذا. وكونه من الثاني أبين، ومنه قوله تعالى: {وغير ناظرين إناه} [الأحزاب: 53] ومن المعنى الآخر قول الشاعر [عمرو بن حسان الشيباني]: [الوافر]
أنى ولكل حاملة تمام *** ويشبه أن يكون الأمر في المعنيين قريباً بعضه من بعض، والأول أعم من الثاني.


من في قوله تعالى: {ولمن} يحتمل أن تقع على جميع المتصفين بالخوف الزاجر عن معاصي الله تعالى، ويحتمل أن تقع لواحد منهم وبحسب هذا قال بعض الناس في هذه الآية: إن كل خائف له {جنتان}. وقال بعضهم: جميع الخائفين لهم {جنتان}. والمقام هو وقوف العبد بين يدي ربه يفسره: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 6] وأضاف المقام إلى الله من حيث هو بين يديه. قال الثعلبي وقيل: {مقام ربه} قيامه على العبد، بيانه: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} [الرعد: 33] وحكى الزهراوي هذا المعنى عن مجاهد. وفي هذه الإضافة تنبيه على صعوبة الموقف وتحريض على الخوف الذي هو أسرع المطايا إلى الله عز وجل. وقال قوم: أراد جنة واحدة، وثنى على نحو قوله: {ألقيا في جهنم} [ق: 24] وقول الحجاج: يا غلام اضربا عنقه.
وقال أبو محمد: هذا ضعيف، لأن معنى التثنية متوجه فلا وجه للفرار إلى هذه الشاذة، ويؤيد التثنية قوله {ذواتا أفنان} وهي تثنية ذات على الأصل. لأن أصل ذات: ذوات.
والأفنان يحتمل أن يكون جمع فنن، وهو فنن الغصن، وهذا قول مجاهد، فكأنه مدحها بظلالها وتكاثف أغصانها ويحتمل أن يكون جمع فن، وهو قول ابن عباس، فكأنه مدحها بكثرة أنواع فواكهها ونعيمها.
و: {زوجان} معناه: نوعان. و: {متكئين} حال إما من محذوف تقديره يتنعمون {متكئين}. وإما من قوله: {ولمن خاف}. والاتكاء جلسة المتنعم المتمتع.
وقرأ جمهور الناس: {فرُش} بضم الراء. وقرأ أبو حيوة: {فرْش} بسكون الراء، وروي في الحديث أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه البطائن {من استبرق} فكيف الظواهر؟ قال: «هي من نور يتلألأ».
والاستبرق ما خشن وحسن من الديباج. والسندس: ما رق منه. وقد تقدم القول في لفظة الاستبرق. وقرأ ابن محيصن {من استبرق} على أنه فعل والألف وصل.
والضمير في قوله: {فيهن} للفرش، وقيل للجنات، إذ الجنتان جنات في المعنى. والجنى ما يجتنى من الثمار، ووصفه بالدنو، لأنه فيما روي في الحديث يتناوله المرء على أي حالة كان من قيام أو جلوس أو اضطجاع لأنه يدنو إلى مشتهيه. و: {قاصرات الطرف} هي الحور العين، قصرن ألحاظهن على أزواجهن.
وقرأ أبو عمرو عن الكسائي وحده وطلحة وعيسى وأصحاب علي وابن مسعود: {يطمُثهن} بضم الميم. وقرأ جمهور القراء: {يطمِثهن} بكسر الميم. والمعنى: لم يفتضهن لأن الطمث دم الفرج، فيقال لدم الحيض طمث، ولدم الافتضاض طمث، فإذا نفي الافتضاض، فقد نفي القرب منهن بجهة الوطء. قال الفراء: لا يقال طمث إلا إذا افتض.
قال غيره: طمث، معناه: جامع بكراً أو غيرها.
واختلف الناس في قوله: {ولا جان} فقال مجاهد: الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن، إذا لم يذكر الزوج الله تعالى، فتنفي هذه الآية جميع المجامعات. وقال ضمرة بن حبيب: الجن لهم {قاصرات الطرف} من الجن نوعهم، فنفى في هذه الآية الافتضاض عن البشريات والجنيات.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل اللفظ أن يكون مبالغة وتأكيداً، كأنه قال: {لم يطمثهن} شيء، أراد العموم التام، لكنه صرح من ذلك بالذي يعقل منه أن يطمث. وقال أبو عبيدة والطبري: إن من العرب من يقول: ما طمث هذا البعير حبل قط، أي ما مسه.
قال القاضي أبو محمد: فإن كان هذا المعنى ما أدماه حبل، فهو يقرب من الأول. وإلا فهو معنى آخر غير الذي قدمناه. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: {ولا جأن} بالهمز.

1 | 2 | 3